على وسائل التواصل الاجتماعي تنتشر العديد من الصور لقاطنين في غزة يحتضنون حيواناتهم الأليفة ويجهدون لإنقاذها من تحت الركام وأخذها معهم إلى حيث يهجّرون. على الرغم من مشقة النزوح وثقل الحرب وقلةّ الطعام والمواد الطبية. بالإضافة إليها، تنشر مشاهد أخرى لحيوانات تعاني من هول الحرب وترتعب من أصوات القصف. بعضها أرفقت بعبارات تدعو جمعيات حقوق الحيوان حول العالم للتحرك من أجل إنقاذ حيوانات غزة إن لم تدعُ مشاهد قتل الأطفال لتحرك جمعيات حقوق الإنسان.
وتحكي صور الحيوانات المنشورة الكثير، لا فقط عن رأفة أهالي غزة بحيواناتهم رغم وضعهم السيء، بل في ما تحمله من رسالة تظهر نظرتهم للعالم الذي يرون بأنه خذلهم ولم يتعاطف حتى مع أطفالهم المقتولين، لربما تحرك ما لم تحركه صور أشلاء الأطفال. كأنهم بذلك يقولون: "ندرك أن أرواحنا لا تهمّكم، لكن ارأفوا بالحيوانات؟".
ففي الأيام الأولى للقصف الإسرائيلي على غزة انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعبر وسائل إعلام صوراً مروّعة لمئات الأطفال الفلسطينيين الذين قتلوا أو أصيبوا في القصف الإسرائيلي، بعضهم لم يتبق منه سوى أشلاءً. لم تثر هذه الصور غضب القادة حول العالم وظل الإعلام الغربي في حينها يركّز بالحديث عن الإسرائيليين الذين قتلتهم حماس من دون إدانة المجازر في غزة. وفي حين كانت مئات الصور والمقاطع المصورة والبث المباشر توثق قتل رضّع فلسطينيين، التهى قادة دول بتداول خبر قتل حماس 40 طفل إسرائيلي، على الرغم من أن الخبر ألقته مراسلة إسرائيلية من دون أن يؤكده الجيش الإسرائيلي نفسه.
في رحلة التهجير من شمال قطاع غزة المحاصر إلى جنوبه، حمل العديد من المهجّرين حيواناتهم معهم وأكدوا تمسكهم بها. بينما نشر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي العديد من الفيديوهات التي تظهر تضرر حيوانات من الغارات الإسرائيلية على غزة. فمنها من مات قتلاً تحت القصف أو وجوعاً وعطشاً، ومنها من ظهرت ترتعش خوفاً. ورغم عدم توفر الإمكانات لرفع الركام قام أناس بأيديهم العارية برفع أنقاض مبان لإنقاذ حيوانات علقت بينها.
ومن بين إحدى الصور التي انتشرت بشكل واسع صورة طفل مصاب رفض التخلي عن قطته خلال نقه إلى المشفى. في الصورة يبدو الحزن والخوف جلياً على الوجهين. وكأن وجه القطة يشهد مع الفتى على هول الفظاعة التي يعيشها، بينما يتمسّك هو بها رغم إصابته.
كان لنشر هذه الصور أهداف ورسائل عدة إضافة إلى دعوتها للرأفة بالحيوانات. من بين الأهداف التأكيد على إنسانية من وصفهم وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، بالحيوانت البشرية لتبرير قتلهم وسحق أرواحهم. في الصور يعلم أطفال غزّة غالانت وكل من يشارك بقتلهم دروساً في الإنسانية. يؤكدون أن أرواح الحيوانات أيضاً لها قيمة وتستحق الإنقاذ وإن في أحلك الظروف.
كما تثبت الصور صورة لا يريد غالانت ومن يمثله للعالم أن يراها عن بشر لديهم مشاعر ورأفة وحياة أرادوها بعيداً عن القصف والدمار. عن أطفال ككل الأطفال، لا يخلقون وحوشاً كما يريد عدوهم تصويرهم، بل يحبون ويلعبون ويرأفون بكائنات أضعف منهم.
المحزن في الصور أكثر من آلام الحيوانات وأصحابها ما تود في الكثير من الأحيان قوله. بعضها ينشر كتسليم بأن أحداً لن يكترث لأرواح أطفال لا ذنب لهم بل يحملون ذنب ولادتهم في قطاع محاصر من قبل عدوّ يقتل الآلاف منهم خلال أيام ببرودة. تسليم بوجود معادلة ترضى بقتلهم مع أمل بسيط بأن يكترث أحد بآلام حيواناتهم التي تعاني هي أيضاً. تخاطب هذه الصور، بين من تخاطبهم، محبي الحيوانات حول العالم وتدعوهم للضغط من أجل إنقاذ حيوانات غزة إن كانوا لا يحبون أطفالها.